
صبا.نت
د. ماهر تيسير الطباع
خبير ومحلل اقتصادي
تُعد أزمة السيولة النقدية ونقص "الفكة" (العملات المعدنية والفئات النقدية الصغيرة) من التحديات الاقتصادية والمعيشية البارزة التي تُفاقم معاناة السكان وتصعبان الحياة في قطاع غزة، بالإضافة إلى انتشار العملات الورقية القديمة التالفة والمهترئة، والتي لا يتم تداولها بالأسواق وتشكل صعوبة للمواطنين في قضاء احتياجاتهم في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية وإنسانية كارثية.
ومن الأسباب الرئيسية للأزمة منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال السيولة النقدية من كافة العملات وعلى رأسها (الشيكل الإسرائيلي، العملة الرئيسية في التعاملات) إلى القطاع وهذا هو السبب الرئيسي في نقص السيولة النقدية بشكل عام، وذلك في إطار سياستها للتحكم في سوق النقد وتشديد الحصار على القطاع، مما يؤدي إلى عدم تجديد العملة المستهلكة.
وتسببت الحرب التي تشنها إسرائيل منذ عامين في تدمير وتعطيل غالبية فروع البنوك وأجهزة الصراف الآلي في القطاع، مما أدى إلى تعطل النظام المصرفي بشكل كامل وعدم قدرة المواطنين على سحب أموالهم أو إيداعها، وبالتالي توقف الدورة المالية الطبيعية.
وعلى مدار عامين من الحرب تم استنزاف السيولة النقدية وتداول العملات التالفة، حيث تم سحب كميات كبيرة من السيولة النقدية من البنوك خلال فترة الحرب.
وتفشت ظاهرة نقص "الفكة" والتي نتجت عن تداول العملات النقدية والورقية التالفة والمهترئة بشكل مستمر دون إمكانية استبدالها بجديدة من خلال النظام المصرفي المعطل، مما يجعل التجار يرفضونها خوفًا من الخسارة، وتسبب إلغاء تداول فئة العشرة شواقل في الأسواق بزيادة الضغط على العملات الصغيرة المتبقية.
وترتب على ذلك أثار كارثية على المواطنين وصعوبة في إتمام التعاملات اليومية حيث أصبح من الصعب على المواطنين شراء الاحتياجات الأساسية (كالطعام والدواء) واستخدام المواصلات العامة، بسبب عدم توفر "الفكة" اللازمة لإجراء عمليات البيع والشراء الصغيرة، فيضطر البعض لشراء سلع لا يحتاجونها لمجرد فك عملة كبيرة.
وانتشرت ظاهرة السوق السوداء وارتفاع العمولات ويضطر المواطنون الذين يمتلكون أموالًا في البنوك أو الذين يحتاجون لسحب رواتبهم إلى دفع عمولات كبيرة (تصل إلى مستويات قياسية بين 30% إلى 50%) لسماسرة الكاش للحصول على أموالهم نقدًا، فيما يُعرف بـ "التكييش" أو "تسييل" الحوالات، مما يفقد المساعدات والرواتب جزءًا كبيرًا من قيمتها الفعلية، وأصبحت الفكة في الفترة الأخيرة تباع حيث يتم تبديل المائة (100 شيكل ورقية 80 شيكل فكة).
وعاد المواطنين إلى المقايضة في ظل غياب النقد، حيث ظهرت بعض التعاملات التي تعتمد على المقايضة كبديل اضطراري للحصول على السلع.
ولوحظ في الفترة الأخيرة تفاقم المعاناة الإنسانية وانعدام القدرة الشرائية للسكان الذين يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي والفقر الشديد نتيجة الحرب.
ومن البدائل والحلول التي انتشرت لمواجهة الأزمة، استخدام التطبيقات والدفع الإلكتروني حيث توجّه السكان لاستخدام التطبيقات البنكية والمحافظ الإلكترونية في محاولة لتجاوز أزمة السيولة النقدية (الكاش)، وعملت سلطة النقد الفلسطينية والعديد من المؤسسات على تعزيز ثقافة الدفع الإلكتروني واستخدام كافة المحافظ والوسائل المتاحة لذلك.
والان حان الوقت لتدخل جدي من المؤسسات الدولية للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإدخال كميات كافية من السيولة النقدية واستبدال العملات التالفة وإدخال الفكة عبر التنسيق مع جميع الأطراف المعنية، حيث أن إدخال العملات واستبدال التالف منها يقع تحت مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي.