محمد عزة بن عبد الهادي دروزة (21 حزيران 1887 - 26 تموز 1984) مفكر وكاتب ومناضل قومي عربي ولد في نابلس وتوفي في دمشق. إضافة إلى نضاله السياسي، كان أديباً ومؤرخاً وصحفياً ومترجماً ومفسراً للقرآن.هو أحد مؤسسي الفكر القومي العربي إلى جانب ساطع الحصري وزكي الأرسوزي.
اتخذ نضاله شكلاً وحدوياً تجاوز ظروف التجزئة والحدود المصطنعة، فشارك في تأسيس ونشاط الجمعيات والأحزاب الاستقلالية العربية الوحدوية النضالية في سورية الكبرى (قبل تقسيمها من قبل الاستعمار عام 1920)، مثل جمعية العربية الفتاة وحزب الاستقلال العربي وعارض سياسة التتريك. هو أحد أعضاء المؤتمر السوري العام (1919 م) وسكرتير الجمعية التأسيسية، وأحد واضعي الدستور السوري الأول. أعلن من على شرفة بلدية دمشق في ساحة المرجة استقلال سورية وتأسيس المملكة السورية العربية في 8 آذار عام 1920. قاد العديد من النشاطات المناهضة للانتداب البريطاني على فلسطين وسياسة تقسيم الأراضي العربية، ودعا إلى توحيد سورية ومصر في خمسينيات القرن العشرين. تعتبر سيرته الذاتية تأريخاً لمسيرة الحركة الوطنية النضالية والاستقلالية والوحدوية خلال القرن العشرين.
ترك دروزة أكثر من خمسين كتابًا في علوم شتى تتعلق بالعروبة والإسلام والتاريخ العام، ومنها سلسلة كتب في تاريخ الحركة العربية وأصول القومية العربية والوحدة العربية. تُعد مؤلفاته وبالذات كتاب "الوحدة العربية" من أهم ما كتب عن القومية العربية وعن طرق تحقيق الوحدة العربية.
أسرته
نشأ محمد عزة (وتنطق عِزّت) في أسرة من عشيرة "الفريحات" التي تسكن قرية كفرنجة في منطقة عجلون شرق الأردن. ويبدو أن قسماً كبيراً من العشيرة قد هجر القرية في أوائل القرن الحادي عشر الهجري، واتجه بعضهم إلى نابلس.كان والده عبد الهادي بن درويش دروزة تاجرًا للأقمشة في سوق خان التجار القديم الشهير في المدينة القديمة في نابلس، حيث كان يستورد بضائعه من بيروت ودمشق، كما يُفيد محمد عزة في مذكراته،ويُعتقد أن اسم عائلته مشتق من عمل بعض أجداده بالخياطة.
تعليمه وثقافته
تلقى دروزة تعليمه الأساسي في نابلس حيث حصل على الشهادة الابتدائية في سنة 1900، التحق بعدها بالمدرسة الرشادية (الفاطمية اليوم)، وهي مدرسة ثانوية متوسطة، وتخرج منها بعد ثلاث سنوات، حاصلاً على شهادتها.
قام دروزة بتثقيف نفسه، وتغطية جوانب النقص بالقراءة والاطلاع الدءوب للتعويض عن عدم إتمام دراسته، فقرأ ما وقع تحت يديه من كتب مختلفة في مجالات الأدب والتاريخ والاجتماع والحقوق سواءً ما كان منها باللغة العربية أو بالتركية والإنجليزية اللتان كان يجيدهما.أتاح له عمله في مصلحة البريد الاطلاع على الدوريات المصرية المتداولة في ذلك الوقت كالأهرام ومجلة الهلال وجريدة المؤيد وجريدة المقطم ومجلة المقتطف، بحكم مرور هذه المطبوعات عبر البريد لتوزيعها على المشتركين. كانت هذه الدوريات تحمل زاداً ثقافياً متنوعاً وتناقش القضايا الساخنة في ذلك الوقت، ففتحت آفاق الفكر أمام عقل الشاب النابه، ووسعت مداركه، وصقلت مواهبه، وأوقفته على ما كان يجري في أنحاء الدولة العثمانية من أحداث.
لم يتلق دروزة العلم على أيدي علماء متخصصين إلا لفترات بسيطة ومتقطعة حضر خلالها دروساً في الفقه على الشيخ مصطفى الخياط في الجامع الصلاحي الكبير بنابلس، ودروساً في الحديث من كتاب صحيح البخاري على الشيخ سليمان الشرابي، وأخرى في النحو والصرف على الشيخ موسى القدومي الذي كان مديراً للمعهد الديني في نابلس حتى عام 1967.واصل دروزة الاهتمام بالعلم والتعليم خلال أدائه وظيفته، وكان يحمل صندوق كتبه في كل أسفاره وتنقلاته، وصار لا يترك الكتاب من يده في معظم يومه حتى أنه قرأ في فترة لا تتجاوز الثلاثين سنة ألفًا وخمسمائة كتاب ومجلد في مختلف المواضيع من لغة وصرف ونحو وأدب وشعر وقصص وتاريخ وتفسير وسيرة وحديث.
إنتاجه الفكري
لم يحل انشغال دروزة بالحركة الوطنية الفلسطينية والمشاركة في قيادتها عن الكتابة والتأليف، فبدأ يؤلف على مستويات مختلفة لكافة القراء وفي مجالات متعددة مثل:
توثيق يوميات الحركة الوطنية والقومية.
تأليف الكتب المدرسية للنهوض بطلاب العلم.
كتابة الروايات الوطنية الهادفة التي تشعل الحماس في نفوس الناشئة.
بحث وتوثيق تاريخ العرب والترك واليهود.
بلورة وطرح أفكار حول العروبة والوحدة العربية.
الاجتهاد في تفسير القرآن والكتابة عن السيرة النبوية وبعض القضايا الإسلامية الاجتماعية.
ألف دروزة عشرات الكتب، وبعضها بقي في مرحلة المخطوطات ولم يطبع أو ينشر.إضافة لأهميتها الفكرية، نبعت أهمية كتب دروزة، وخاصة مذكراته الشاملة، من توثيقها للتاريخ الشفهي العربي، والفلسطيني بالذات. بحسب يوسف شويري، يعطي دروزة وصفاً تصويرياً ومستنفذاً أحياناً عن مدينته بكل ما فيها من مساجد وأحياء سكنية وبساتين وصناعات وأسواق وسكان. إضافة إلى ذلك، استفاض دروزة في وصف التكوين الاجتماعي لنابلس وشرح خصائص وعلاقات عائلاتها وبروز فئات جديدة في المجتمع النابلسي.
وفاته وتقديره
أجرى محمد عزة دروزة آخر مقابلة صحفية مع الصحافي الفلسطيني محمد مصلح في سنة 1983، وذلك على مدى 8 أيام، وفيها سمح له أن يصوّر كافة مذكراته دون استثناء، ويقول مصلح أنه كان من الجليّ أن صحة دروزة في تراجع مستمر.توفي محمد عزة دروزة في حي الروضة في دمشق يوم الخميس 26 تموز عام 1984، الموافق 28 من شوال سنة 1404هـ.
كان دروزة أحد أهم المفكرين القوميين الأوائل، إضافة إلى ساطع الحصري وزكي الأرسوزي. لم يأخذ محمد عزة دروزة الموقع الذي يستحقه بعد بين كبار الكتاب القوميين العرب بالرغم من مساهمته الكبيرة في وضع أسس الفكر القومي العربي التقليدي (وخاصة في كتابي "الوحدة العربية" و"تاريخ الجنس العربي")، ونضاله الدؤوب ضمن الحركة الوطنية الفلسطينية خلال النصف الأول من القرن العشرين، وإنجازاته الأدبية والفكرية الواضحة. وربما يعد هذا الحصار الثقافي لدروزة وغيره من المفكرين القوميين مفروضًا ضمن برنامج الأنظمة العربية الحاكمة (وبضمنها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية) لمحاربة أي توجه وحدوي والحفاظ على كراسي الحكم في دويلات مبعثرة.لم يكن دروزة نفسه يحب الظهور، ولم يتسلم أية مناصب سياسية حكومية رغم نشاطه السياسي الكثيف وعلاقاته المتشعبة وصداقته لشخصيات مؤثرة. كان يختار دوماً أن يترك الصفوف الأمامية لغيره في الوقت الذي كان يدفع فيه التوجه العام بقوة بعيداً عن التفريط والتنازلات ونحو اتجاه أكثر جذرية ووحدوية في العمل الوطني الفلسطيني، وفي الوقت الذي كان يتجشم فيه المخاطر ويتكبد المشقة، وفي الوقت الذي كان يفني فيه الساعات في العمل الدؤوب ويقضي الأيام في السفر.
تركز الاهتمام بكتب وتراث محمد عزة دروزة على عدد قليل من الكتاب ممن عاصروه، وفي الآونة الأخيرة ساهم عصر الشبكة العنكبوتية والكتب الإلكترونية في إماطة اللثام عن مساهمات دروزة وإنجازاته الكبرى في مجالات عدة؛ قومية وتاريخية وثقافية وإسلامية. فيما يلي أهم الكتب والدراسات التي نشرت حول دروزة ومساهماته:
"محمد عزة دروزة : صفحات من حياته وجهاده ومؤلفاته"، بقلم حسين عمر حمادة. الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، بيروت. 1983.
"مختارات قومية لمحمد عزة دروزة"، بقلم ناجي علوش. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت. 1988. ضمن سلسلة التراث القومي.[71]
"محمد عزة دروزة، خمسة وتسعون عاماً في الحياة، مذكرات وتسجيلات." علي الجرباوي وحسن الشخشير