الزبابدة - خاص "صبا. نت" 
اعدت التقرير: ماري غطاس.
 
الام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق، وكم من عبارات مشابهه قيلت في الام لم تستطع بكل حروفها الابجدية ان تصف قطرة من بحر عطائها و تضحياتها، فالام هي المخلوق الوحيد الذي ينزف دما في الظلام و عشقا في النور لاجل اطفاله، هي الكائن الوحيد الذي يدعي الشبع في حرقة جوعه لاشباع افواه جائعه ، هي الامان في وسط الحروب، و الدفأ في منتصف ديسمبر، هي الامل المنبثق من جوف الشقاء، الام هي الزهرة التي لا تذبل بقلبها النابض حبا.
وبمناسبة عيد الام الذي صادف الثلاثاء، كان لنا في "صبا.نت" حديث خاص مع زهرة أبت ان تذبل رغم تصحّر تربتها، وبقيت زهرة بيضاء زاهية وسط الاشواك .
ام سليمان من بلدة الزبابدة جنوب شرق جنين ، هي سيدة في العقد السبعين من عمرها ،، ذلك العمر الذي مضى بافراح لا تتجاوز تعداد اصابع يديها، فهي تزوجت ف ترملت ف تشرد ابنائها و تاهت في القفار الواسعه تحصد بعرق جبينها لقمة عيش اطفالها الخمسة.
وفي حديثنا معها عدنا بها الي اللون الابيض من حياتها، الى ايام الصبى وعمر الزهور والذي لم يكن ابيض ناصع حيث كان فيه من مشحات السواد نصيب ، فهي فقدت والدتها وهي صغيرة و بدأت العمل في عمر الاطفال فستبدلت العابها بالعمل و الكد في المملكة الاردنية الهاشمية، وفي عمر ال 17 بعث لها من قبل اعمامها في بلدة الزبابدة مكتوب للعوده للبلده ولم تكن تعلم الاسباب بعد، وقبل عودتها ذهبت و اختها الكبرى لزيارة الاقارب في الاردن حيث التقت هناك بشاب يدعى اندراوس من البلده وكان اللقاء الاول بينهما ، ولم يكن لذلك اللقاء تلك الاهمية التي توحي بأن القدر يحيك حكايته ليجمعهما سويا تحت سقف واحد بعد اقل من سنة، ومن جانب اخر وللدلالة على سخرية القدر كان ذلك الشاب قد طلب يدها من اعمامها دون رؤيتها بعد استعراض عدد من الاسماء عليه للزواج ووقوع الاختيار عليها، وكان يستعد هو ايضا في ذلك الوقت للعودة لبلدته الزبابدة للقاء اهلها رسميا و خطبتها،،، ولكن
بعد استجابة ام سليمان لطلب العموم وعودتها الى البلدة وجدتهم قد حضروا لخطوبتها على شاب اخر وتمت الخطوبة فعلا وهنا تراجع اندراوس عن خطوته و عاد ادراجه الى الاردن مكان عمله حيث كان يعمل انذاك في الجيش الاردني بقسم التموين.

وما جمعه الله لا يفرقه انسان...
بعد سبعة اشهر من خطبة السيدة سليمة( ام سليمان ) الاولى فسخت الارتباط، ليصل الخبر لاندراوس و يعود لفكرة خطبتها، ولكن ب أغرب مراسم خطوبة قد سمعتم عنها، حيث بعث لها بقطعه القماش للثوب و المحبس مع اخيه دون قدومه بسبب انشغاله بالاعمال، ف ارتدت المحبس لوحدها دون حفلة او مراسم و حتى دون العريس.
استمرت الخطوبة قرابة 4 اشهر،مرت منها ثلاته و العروس سليمة دون عريسها، بعد ذلك حضر للبلده وقاموا بتجهيز اللوازم و تم الزواج ايضا دون حفل نظرا لان والد العريس اندراوس كان قد توفي من فترة قصيرة .. دخلت الشابة سليمة قفص الزوجية وكانت ايام اكثر من رائعه ب رفقة زوجها الحنون ،الهاديء ، الطيب، المحب اثمرت عن اول مولوده لهما، لتنقلب بعد ذلك بفترة قصيرة الستاره البيضاء الذهبية الى الرمادية الشاحبه و يبدأ العريس بأول مراحل رحلة معاناته مع مرض سرطان المعده، عاش منها قرابه الستة سنوات بين مد و جزر، كانت خلالها العروس سليمة تعاني بحرقة رؤية زوجها يتعذب، لكنه استمر على رأس عمله حتى اخر سنتين من حياته و كانت هي تعمل في المنزل ايضا بصناعه الاعقال وكانا انذاك قد انجبا 5اطفال، اربعه اناث و ذكر ..

في اخر سنتين من حياته، كان كثير التنقل بين الاردن و فلسطين للعلاج، وكانت زوجته معه تاركةً اطفالها بالبلده لا تعلم عن مصيرهم شيء، حتى علم الوالد وهو على فراش المرض بشتات اطفاله فبعث ب مرسال للراهبات البيض في بيت لحم يصف به حالته مستعطفا اياهم ب احتضان اطفاله وهذا ما كان، حيث تم انتساب الاخوتين الكبيرتين لمدرسة الراهبات بينما بقي الاخ عند اقاربه في بيت ساحور و الصغيرة بقيت عند امها الحامل بالطفل الخامس.

بعد ان وضعت مولدتها الخامسة بأيام ساءت حالة زوجها كثيرا مما اضطرها لترك رضيعتها البالغه 12 يوما بين الحياة و الموت تعاني الجفاف الشديد في مؤسسة الكريش لرعاية الاطفال و الذهاب مع زوجها في آخر رحلة علاج حتى وافته المنيه في الزرقاء الاردنية وهو في ريعان الشباب عن عمر يناهز ال 32 عاما، تاركا خلفه ارملة بال 27 من العمر و خمسة اطفال.

ومن هنا بدأ فصل جديد من التضحية و الكد و المعاناه،،، فصل الشتات الحقيقي
بعد دفن الزوج و اقامة مراسم الاربعين، عادت ام سليمان لتلملم اشلائها ، فلذات كبدها، لتكون الرضيعه اول من توجهت اليها، لتلقاها ما زالت على قيد الحياة و تبلغ من العمر 5 اشهر ، فجمعت اطفالها من شتاتهم تحت جناحيها و بدأت تعمل في فلاحة الارض حتى وقوع الحرب، حيث اضطرت بعدها الى ارسال طفلتيها الكبيرتين الى مدرسة الفرنسسكان في القدس، فيما بقي الابن عند اقاربه في بيت لحم، وعاشت الصغيرة فترة قصيرة مع امها قبل الانضمام لاخواتها في الفرنسسكان، اما الرضيعه فأبقتها بالكريش بعد الاطمئنان عليها.
انتقلت ام سليمان من لقب العروس الى الارملة بلمح البصر، فهي التي لم يتجاوز مكوثها في قفصها الذهبي ال تسعه سنوات، سقط على راسها كومة رماد وعادت خالية اليدين تناطح الارض التي احتضنت عريسها،، و تركتها من بعده امرأة جرداء من بيتها، فرحتها، سندها، و اطفالها الخمسة المبعثرين.

لم تستطع ام سليمان احتمال وحشية البلدة التي خرجت منها عروسها و عادت اليها ارملة تتشح السواد، فكل تفاصيلها من الشجر للحجر للوجوه عابسة بوجهها تحيك لها ذكريات مريره ،، ولذلك قررت انتهاز الفرصة التي قدمت اليها بالعمل في الداخل المحتل للتوجه الى مدينة الرينه كمساعدة لرجل دين في احد الاديره ، تنقلت بعدها من عمل لاخر ، كبر خلالها ابنائها بعيدين عن ناظريها ، فلم تشهد طفولتهم ولا دراستهم ولا تخرجهم كما يجب ان يكون .. ومن القصص التي لا تغيب عن ذاكرتها وهي واحده من سلسلة قصص ومواقف اليمة كابدتها روت ل( صبا.نت ) انه في احد الايام اتصل بها احد الاقارب وهي في عملها معلنين اختفاء ابنها وكان يبلغ أنذاك 14عاما و يسكن ديراً في مدينة بيت لحم، لتفقد عقلها و تستقل مركبة متوجهه الى هناك لتصل في الخامسة فجرا

تنتقل للبحث عنه وهي فاقدة بصيرتها في كل ارجاء البلده لتنتقل للقدس، لتجده اخيرا بعد ان جفت دماء عروقها عند احد الاقارب، قد هرب من وحدته و شتاته لتسوقه قدماه الى هناك.

الم الشتات يستهين فيه كل من لم يذقه، عاشت شبابها بين مرض زوجها، شتات اطفالها، العمل في البلاد الواسعه لتأمين لقمة العيش، كبر الاطفال اصبحوا شبابا، نسجتهم بصبرها و ايمانها و عرق جبينها، فخرج منهم الممرض، و الخياط، والحرفي، ولكن كان الشتات ما زال يتخبط دروبهم، فلم يعايش الاخوة معا لذة العيش تحت سقف واحد، الشجار وارتفاع الاصوات، الحصول على مكافاه التحصيل العلمي العالي من الاهل، المراهقة المجنونه، فقدوا حنان الاب باكرا، لتجبرهم الحياة على تجرع حنان والدتهم قطرات.

كبر الاطفال و شقوا طرقهم، و بنوا بيوتهم و كبرت معهم الام المكافحة التي لم تكتفي الحياة ليومنا هذا من اعطائها الدروس و الصدمات سواء على هيئة مرض، الم، غصة، حنين، اشتياق للقريب البعيد، ولكن ما زالت ام سليمان تلك الفتاة القوية الصامدة امام الرياح مهما عصفت بها، بقوة ايمانها و صبرها و حبها لاطفالها .. وفي عيد الأم ندعو لأم سليمان وكل أم في فلسطين و العالم العمر المديد و دوام الصحة.




calendar_month23/03/2017 13:21   visibility 5,710