صبا.نت-وكالات

- بدون ضجيج سوى ذلك الناجم عن صوت إرتطام الحديد، أغمضت ميار محمود عامودي الطالبة الفلسطينية في كلية الصيدلية بجامعة البتراء الاردنية عينيها ورحلت.

رحلت ميار أبنة مدينة جنين قبل ان تنهي سنتها الدراسية الرابعة في كلية الصيدلة.. رحلت بعد ساعات فقط من إستلامها لنتائج امتحاناتها الفصلية وحصولها على درجة تفوق كما إعتادت أن تفعل كل عام.

كالفراشة قفزت ميار من سريرها صباح يوم الاربعاء الماضي وطارت الى جامعتها كي تعرف نتائج كل ذلك التعب والسهر والاجتهاد ولما كانت النتيجة تستحق الفرح وتستحق الاحتفال، لم يخطر ببالها في تلك اللحظات سوى عائلتها كي ترتمي في أحضانها وتحتفي معها بهذا الانجاز الذي جاء تتويجا لمسيرة من التفوق في كل سنوات الدراسة الجامعية.

لم تنتظر ميار صباح اليوم التالي ولم تتردد كثيرا، حسمت أمرها واستقلت سيارة عمومية من إربد، حيث حرم جامعتها، وتوجهت الى العاصمة عمان، حيث تقطن عائلتها منذ سنوات وسنوات.

في الطريق كانت ميار الحالمة ترسم في مخيلتها لحظة أجتياز عتبة البيت والارتماء في حضن والداتها والاشتباك معها في عناق طويل.

وبينما كانت ميار تتخيل وتحدق من نافذة المركبة وتطالع الغيوم الحبلى بالمطر والامنيات، اصطدمت المركبة التي تستقلها بمركبة اخرى فكانت الفاجعة صاعقة وخاطفة كما الموت.

ماتت ميار وتركت خلفها كومة من الاحلام والامنيات والحسرة والفجيعة والحزن والاسئلة وبقيت ضحكتها معلقة على نافذة المركبة التي تحولت الى كومة من حطام بفعل الاصطدام الرهيب.

ماتت ميار وبقيت أناملها مشتاقة لملامسة وجه والداتها التي كسر هذا الرحيل المر قلبها.. ماتت ميار وهي لا تزال تحلم بارتداء ذلك الثوب الذي يرتديه عادة الصيادلة بزهو ممزوج بالكثير من الفرح والفخر والتفوق والشعور بقيمة الانجاز.

ماتت ميار في الطريق الى البيت قبل ان تظفر بذلك العناق وقبل ان تكحل عينيها برؤية والدها ووالدتها وعائلتها التي كانت تتنظر عودة الطفلة الشقية الى سريرها وثيابها المعلقة بعناية في تلك الخزانة التي تربض الان صامتة ومغلقة على الكثير من أسرار البنات الطيبات.

قبل اسبوعين من موعد هذه الفاجعة كانت ميار تهجس بدنو الموت وهمست لوالدتها في لحظة من سكينة وهدوء وهي تستسلم للنعاس في حضنها أنها تشعر بإقتراب الموت منها وقالت بنبرة مازحة :"هل ستبكين علي؟ .. لا أريدك أن تبكي .. أريدك أن تكملي حياتك بشكل طبيعي".. كانت لغة المزاح تغلب على هذا الحوار الذي أدخل الى قلب الام بعضا من القلق ولكنها لم تكن تتخيل حتى في اسوأ كوابيسها ان طائر الموت سيخطف وردتها وفرحتها وبكرها ومهجة قلبها بعد ايام قليلات.

من المفارقات المؤلمة ايضا والتي تدلل على صدق احساس ميار واستشعارها بإقتراب ساعة الاجل المحتوم هو ما كتبته في معرض تعليقها على صورة لها نشرتها عبر تطبيق (انستغرام) وهي تتناول الحلوى برفقة احدى صديقاتها .. كتبت ميار : " الحلوى قبل الغداء .. لأن الحياة قصيرة".

هي الحياة قصيرة يا ميار .. قصيرة فعلا .

عندما عادت ميار الى البيت وهي مسجية في التابوت كانت تبتسم .. كان وجهها ضاحكا وهادئا وصافيا وراضيا.. هكذا اختارت ميار ان تغادر الحياة وتطوي 22 عاما من عمرها.

غادر جثمان ميار البيت الى مثواه الاخير وغرق والدها ووالدتها واخوتها وكل محبيها في نوبة من البكاء المرير ولاذ البيت بالصمت واتشح بالسواد وتوسطت السماء نجمة عالية.
calendar_month05/03/2017 14:24   visibility 1,414