.jpg)
نابلس - خاص "صبا. نت" - ماري غطاس.
22/02/2017 13:16 7,442
الموت ليس قضية الميت، إنما قضية الباقين، فلا شيء يقهر الإنسان بقدر خسارة عزيز وري جثمانه الثرى بكل ذكرياته و تفاصيله، وفي فلسطين هناك فصول من القهر التي لا تغيب ولا تندثر، فصول نسجتها عجرفة احتلال سيطر على الأرض منذ عشرات السنين ليخيم معه شبح الموت على أهلها الرافضين لشتى معاني الذل و القهر والصامدين بوجه القهر والالم ولو بأغلى ما يملكون " أحبائهم".
الشهيد ساري أبو غراب ابن بلدة قباطية جنوبي غرب مدينة جنين والذي اختطفته رصاصات الاحتلال على طريق مستوطنة يتسهار شرق مدينة نابلس بتاريخ 24/8/2016 ، رصاصات سرقته من أهله، أصدقائه، أحلامه مشاريعه ومن عروسه المكلومة.
رشا الرمحي ابنة مدينة نابلس، خريجة جامعه النجاح تخصص أتمته المكاتب، اختصرت الحياة كل ما سبق لتهديها اسما ولقبا جديدا " عروسة الشهيد" ، لم يخطر ببالها يوما أن تقسو عليها الحياة وتهديها الأبيض كفنا بدل ثوب العرس وفي حديث خاص لـ "صبا .نت" مع رشا ، حديث بالكاد استجمعت حروفه نفسها.
حدثتنا رشا بقلبها المكسور بداية عن خطوبتها من ساري والتي كانت بعد خروجه من سجون الاحتلال حيث قضى فيها قرابة الستة أشهر، تقدم بعد خروجه من الاعتقال لها بأسبوع واحد وتمت الخطوبة حيث بدأت بعدها تنسج الأيام خيوطها الذهبية تمهيدا لليوم المنشود الذي سيدخل به العروسان قفصهما الذهبي ليبدآن حياتهما سوية.
كانت فترة الخطوبة أيامها هادئه جميلة مليئة بالحب و الاحترام مع بعض التجهيزات الأولية للعرس.
آخر لقاء بينهما:
آخر مقابلة مع الشهيد كانت قبل يوم من استشهاده في عرس شقيق رشا. فيوم عرس والذي يليه جنازة هذه هي فلسطين الأرض الجريحة وهذا هو نتاج الاحتلال الغاشم، القهر و الألم والفرح المنقوص.
وفي تفاصيل المشهد الأخير قصت رشا عبر "صبا. نت" بان ساري كان قد نسي أغراض مع عروسه بعد حفل العرس فهاتفته ليحضر لاستعادتها و هناك كانت تنظره وكأنها تتأمل تفاصيله مما استعار انتباهه ليسائلها عن سبب تلك النظرات، فاقتطعتها طالبة منه البقاء للإقامة عند أقربائه في نابلس تلك الليلة بدل السفر لبلدته قباطية حيث كانت الساعة قرابة منتصف الليل، لكنه لم يستطع لكثرة أشغاله فهو كان يحضر لافتتاح مشروع صغير يبتدئ به حياته الجديدة، وانطلق في طريقه ومعه أحاسيس رشا الغريبة وكأن قلبها يشعر بأنه اللقاء الأخير حتى انه في سؤال أهلها عن سبب قلقها الشديد ردت" مش ناقصني يطخولي ياه بهالليل، الشوارع مليانه جيش"، واستمرت بالاطمئنان عليه إلى حين وصوله منزله في بلدته يوم الاستشهاد.
في صبيحة اليوم التالي كان كل شي يسير كما يجب ان يكون وتحدثا هاتفيا في الظهيرة قبل انطلاقه إلى مدينة رام الله وكانت آخر كلماته وعد بان يخرجا سويه إلى المطعم الذي وعدها سابقا بمرافقتها إليه، وأغلق الخط دون أن يعلما أن القدر كان يحيك حكايته وان شبح الموت كان يتربص بهما وأنها المكالمة الأخيرة، انشغلت رشا بصباحية أخيها العريس وتحدثت مع حماتها ولسخرية القدر أخبرتها عن فتاه من نابلس كان قد استشهد خطيبها قبل أيام وراحتا يتأسفن على حالها دون أن يخطر لبرهة ببالهما أنهما سيكونان في حالتها بعد اقل من ساعة.
كيف تلقت الخبر
وتتابع رشا عبر "صبا. نت" انها تلقت الخبر من أم ساري ، حيث هاتفتها بعد اقل من ساعة على المكالمة السابقة صارخة بصوت فاقد لوعيه" ساري استشهد"، لم تستطع رشا استيعاب الحروف والكلمات وكأن أبجدية اللغة العربية سقطت من ذاكرتها، راحت تصرخ غير مصدقه لما سمعت، منكره لما قالته: "ساري ما مات أكيد عايش انتو بتكزبو بدي احكي معه بدي ارنلو" ، وأخذت تفقد وعيها تارة و تستعيده صارخة مره أخرى حتى فقدته كليا، لتستيقظ و تجد نفسها في غرفة مشفى، وهناك كانت تصلي وتتمنى أن يكون ما قيل لها كذب، كابوس تستيقظ منه لتستعيد عريسها وحلمها الأبيض، لكن كلمات " الهاتف الذي تحاول الاتصال به مقفل" التي صدحت في أذنها بعد أن اتصلت برقم خطيبها أكدت لها الخبر، لتبدأ رحلة مع القهر ، الألم ، المعاناة، الذكريات ، الحلم الضائع، الحبيب المغدور ، وأمل اللقاء الذي تحقق بعد قرابة 4 أشهر من استشهاده، حيث احتجز جثمانه في ثلاجات الاحتلال طيلة تلك المدة.
ليلة تسليم جثمانه
في تلك اليله تقول رشا، التي أعلن فيها أن غدا السبت سيسلم جثمان ساري لذويه، كانت تتخبطها مشاعر لا يمكن وصفها بحروف الأبجدية جميعها، كان الألم يفوق الوصف، وتعجز المشاعر عن الاستقرار وكأن روحها انفصلت عن جسدها وهي على قيد القهر.
وفي يوم السبت يوم تسليم الجثمان توجهت مع عائلتها منذ الصباح لبلدة قباطية بانتظار اللقاء المنشود ، فهي بدل أن تنتظر لقاء عريسها في بيتهم الذهبي، تنتظره جثة باردة يلفها الكفن: تقول رشا لمراسلة "صبا. نت" : حين وضعوه أمامي حضنته بقوة، كان كقطعه من الجليد لكن وجهه كان وكأنه نائم، حادثته، عانقته، عاتبته، وصرخت حين تقدموا ليسرقوه من أحضاني ليدفن، وكأنهم اقتلعوه من قلبي للمرة الثانية، فقدت وعيي حينما رايته محملا على الأكتاف ، وحينما استفقت كان جسده قد غطاه التراب، طلبت زيارة قبره وكان ذلك، ذهبت إليه و بكيته وما زلت ابكيه ليومنا هذا.
ماذا فعل موت ساري بمفهوم رشا للحياة و الموت:
موت ساري غير مفهومي بالحياة و الموت حسب قولها: أشعرني بظلم القدر أحيانا وكيف انه يحول بياضنا سوادا، فرحنا تعاسة، حبنا رمادا في لحظة، كيف حولني من العروس التي تنتظر جنتها إلى جحيم لا يطاق مهما حاولنا وصفه بالكلمات سنعجز .
وفي سؤالنا عن أكثر ما أزعجها بالأخبار التي تم تداولها عنهما بعد استشهاده قالت: بعض المواقع حرفت منشور كان قد كتبه الشهيد على صفحته الخاصة في الفيسبوك ربما بلحظة ضيق و تعب من شيء معين، على أنها ندامه على ارتباطه بي وأنني كنت غلطة في حياته، على الرغم من أنني كنت حلم حياته وكنا على ابعد قدر من الحب والوفاق لآخر لحظات حياته، وحتى أنني ليومنا هذا و بعد رحيله ما زلت على اتصال يومي بأهله فهم ما زالوا عائلتي الثانية التي أحبها ويحبونني لأنهم يعتبرونني من رائحة ساري فهم على دراية بمدى عشقه لي.
أما بما يتعلق بعيد ميلاد ساري الذي يصادف يوم الثلاثاء المقبل، فلعروسه طريقتها الخاصة باستذكاره كما تؤكد لـ "صبا. نت" حيث قررت أن تجمع ب مقطع مصور جميع لحظات الشهيد و لحظاتهما معا و تهديها لروحه التي تؤمن أنها تراها و ترافقها وأنها في مكان أفضل، وان الله اصطفاه واختاره ليكون معه في الفردوس الأعلى.