صبا .نت

استطلاع رقم 215                                                                                 

إعداد الدكتور نبيل كوكالي

 

أبرز النتائج

غالبية الفلسطينيين يرون أن الحرب لم تُسفر عن منتصر واضح، وأنها خلفت خسائر إنسانية ومادية فادحة للطرفين.

المزاج العام يتسم بالواقعية السياسية ويميل نحو التسوية والاستقرار بدلًا من التصعيد.

تقييم متباين للدور الأمريكي، مقابل إجماع واسع على فعالية الدور المصري.

تفاؤل حذر بمستقبل غزة، مقرون بشكوك حول إمكانية تحقيق تحول سياسي أو اقتصادي سريع.

بيت ساحور- العلاقات العامة

في أحدث استطلاع للرأي أعدّه الدكتور نبيل كوكالي ونشره المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي (www.pcpo.org) وأجري خلال الفترة (8–12 أكتوبر 2025) على عينة عشوائية مكونة من 301 شخص يمثلون نماذج سكانية من قطاع غزة أعمارهم 18 عامًا فما فوق، جاء فيه أن الغالبية الساحقة من الفلسطينيين% 71.1 يرون أنه لا يوجد منتصر واضح في الحرب وأن الطرفين خاسران.

وقال الدكتور نبيل كوكالي أن هذا الاستطلاع يأتي في ظل التطورات الميدانية والسياسية التي أعقبت الحرب على غزة، وما خلّفته من تداعيات إنسانية وسياسية عميقة على الشعب الفلسطيني والمنطقة بأسرها. فقد سعى المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي (PCPO) من خلال هذا المسح إلى رصد توجهات الرأي العام الفلسطيني إزاء الحرب ونتائجها، وتقييم مواقف المواطنين من الأطراف الفاعلة، سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية، إضافة إلى استشراف توقعاتهم لمستقبل غزة بعد الحرب.

 أضاف د. كوكالي بأن هذا الاستطلاع يهدف إلى تقديم صورة واقعية وموضوعية عن المزاج العام الفلسطيني بعد توقف العمليات العسكرية، من حيث تصورات المواطنين حول المنتصر والخاسر، ومشاعرهم تجاه نهاية الحرب، ومستوى الثقة بالأطراف الدولية، فضلاً عن تقييمهم لدور القيادات الفلسطينية والمصرية والأمريكية في مسار وقف إطلاق النار والتسوية السياسية.

وتكتسب نتائج هذا الاستطلاع أهميتها من كونها تعبّر عن نبض الشارع الفلسطيني في مرحلة حساسة تتسم بالتحولات الميدانية والسياسية، وتكشف عن ميول متزايدة نحو الواقعية السياسية والرغبة في الاستقرار، مقابل تراجع الخطابات الأيديولوجية في تفسير الأحداث والمواقف.

الفلسطينيون يرون أن الجميع خاسر في معركة غزة

أظهرت النتائج أن الغالبية الساحقة من الفلسطينيين%) 71.1 (يرون أنه لا يوجد منتصر واضح في الحرب وأن الطرفين خاسران، فيما اعتبر 11.3%  أن إسرائيل / حكومة نتنياهو هي المنتصرة، و11.0%  رأوا أن حركة حماس هي التي انتصرت، في حين اختار6.6%  الإجابة بـ "لا أعرف / أفضل عدم الإجابة".

تشير هذه النتائج إلى أن الرأي العام الفلسطيني لا يرى في الحرب أي مكسب حقيقي، بل يعتبرها صراعاً أنهك الجميع وخلف خسائر بشرية ومادية جسيمة دون إنجاز سياسي ملموس. وتعكس النسب المحدودة التي نسبت الانتصار لأي من الطرفين حالة من الإحباط العام وغياب الثقة في الخطابات السياسية التي تحاول تصوير الحرب كإنجاز.

ويُظهر هذا المزاج الشعبي وعيًا ناضجًا وإدراكًا جماعيًا لثمن الحرب الباهظ، إلى جانب رغبة متزايدة في إنهاء دوامة العنف والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التسوية والسلام.

دوافع الرأي العام

بيّنت نتائج السؤال التحليلي أن 64.1% من المشاركين برروا موقفهم بأن الحرب خلّفت دماراً شاملاً ومعاناة إنسانية للطرفين دون مكاسب سياسية حقيقية. في المقابل، رأى 6.6% أن صمود حركة حماس وظهورها كرمز للمقاومة يمثل نوعًا من "النصر المعنوي"، بينما اعتبر 3.0% أن إسرائيل ونتنياهو استفادا سياسيًا من الحرب. وأشار 1.3% إلى أن الحرب زادت من تعاطف الشعوب مع القضية الفلسطينية، و1.4% رأوا أن الهدنة مؤقتة ولا تمثل حلاً دائماً، فيما قدّم17.6%  آراء فردية متنوعة، أبرزها أن المواطن هو الخاسر الأكبر.

تؤكد هذه النتائج أن أكثر من ثلثي الفلسطينيين ينظرون إلى الحرب باعتبارها كارثة إنسانية بلا منتصر، بينما تظل الرؤى الانتصارية محدودة ومجزّأة.

 

 

مشاعر الفلسطينيين بعد انتهاء الحرب

رداً على سؤال "كيف تصف شعورك بعد الإعلان عن انتهاء الحرب على غزة؟"، أظهرت النتائج أن 53.8%  من المستجيبين عبّروا عن مشاعر فرح وارتياح مشوب بالحذر أو القلق، بينما أبدى 27.0% مشاعر الحزن والخوف والإرهاق النفسي، في حين قال 6.6% إن شيئاً لم يتغير في حياتهم بعد الحرب.

وتشير هذه المعطيات إلى أن المزاج العام يتأرجح بين الأمل الحذر والإرهاق النفسي، حيث لم يتحوّل وقف القتال بعد إلى شعور فعلي بالاستقرار أو الطمأنينة، وأن الأوضاع ما زالت رهينة الترقب والتخوف من المستقبل.

أولويات الفلسطينيين بعد انتهاء الحرب

تكشف نتائج الاستطلاع عن رؤية واقعية للمجتمع الفلسطيني بعد الحرب على غزة، حيث عبّر المستجيبون عن أولويات تعكس عمق المعاناة الإنسانية والحاجة المُلِحّة لإعادة بناء ما دمّرته الحرب. وجاءت إجابات المشاركين لتوضح أن الهمّ المعيشي والإغاثي يتقدّمان على ما سواهما من القضايا السياسية أو الأمنية.

فقد احتلّت إعادة إعمار المنازل والبُنى التحتية المرتبة الأولى بنسبة 41.5%، وهو ما يعكس إدراكًا واسعًا بأنّ الاستقرار الاقتصادي والمعيشي هو الأساس لعودة الحياة الطبيعية في القطاع. تلتها في المرتبة الثانية إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة وحماية المدنيين بنسبة 20.3%، في إشارة واضحة إلى عمق الأزمة الإنسانية واستمرار الحاجة إلى الدعم الدولي والإغاثة.

أما إعادة الأسرى والرهائن وتأمين عودتهم فقد جاءت في المرتبة الثالثة بنسبة 9.3%، ما يبرز الأهمية الرمزية والإنسانية لهذا الملف في الوعي الجمعي الفلسطيني. كما أشار 13.0% من المشاركين إلى أن الوحدة الوطنية والمصالحة الفلسطينية هي الأولوية القصوى، في تأكيدٍ على إدراكهم أن الانقسام الداخلي يقف حجر عثرة أمام أي تسوية سياسية أو عملية إعادة إعمار ناجحة.

في المقابل، رأى 4.0% حدوث تحسّن تدريجي في الأوضاع، بينما رجّح  38.9% أن الصعوبات ستستمر لفترة طويلة، في حين عبّر 9.6%  عن تفاؤلهم بحدوث تحوّلات سياسية إيجابية مثل تشكيل حكومة وحدة أو زيادة الدعم الدولي، وقدّم  10.6% إجابات متفرقة تراوحت بين القلق من عودة الحرب أو الغموض تجاه المستقبل.

ويُظهر هذا التوزيع أن المزاج العام الفلسطيني يجمع بين الأمل المشروط والقلق الواقعي، حيث يسود اعتقاد بأن تحسّن الأوضاع ممكن لكنه يبقى مرهونًا بتحقيق الاستقرار السياسي ونجاح جهود الإعمار والتسوية الشاملة.

 

حضور الرئيس عباس في حفل توقيع الاتفاق في شرم الشيخ

 

أفاد 56.2% من المستجيبين بأن مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حفل التوقيع بحضور الرئيس ترامب ورؤساء الدول الأخرى مهمة لتأكيد الشرعية الفلسطينية وحضورها الدولي، بينما رأى 41.2% أنها غير مهمة، و 2.4% قالوا لا أعرف.
وتشير النتائج إلى ميل الأغلبية نحو تأييد المشاركة الفلسطينية الرسمية، مع استمرار وجود نسبة مشككة في جدوى هذه المشاركة وتأثيرها الفعلي.

 

 

 

إجماع شبه كامل على الدور المصري

أجمع  83.5% من الفلسطينيين على أن دور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان فعالاً في التوصل إلى وقف الحرب في غزة، مقابل 10.6% قالوا إنه غير فعال، و 5.9% أجابوا بـ "لا أعرف". وتبرز هذه النتيجة إجماعًا فلسطينيًا واسعًا على الدور المصري المحوري والموثوق في إدارة ملف الوساطة ووقف إطلاق النار.

التوصيات السياسية

دعم مسار تسوية فلسطيني–عربي قائم على مشاركة السلطة الفلسطينية وتعزيز دورها في إدارة قطاع غزة.

تعزيز الدور المصري كوسيط موثوق في إدارة التهدئة وجهود إعادة الإعمار.

إشراك المجتمع الدولي في ضمان الشفافية في تمويل المساعدات الإنسانية وتوزيعها.

فتح قنوات حوار فلسطينية داخلية لتوحيد الصف الوطني وتعزيز المصالحة.

الاستثمار في مبادرات السلام والتنمية المستدامة التي تُسهم في استقرار غزة وتعزيز الأمن الإنساني.

 

الخصائص الديموغرافية للعينة

 

تعتمد مصداقية أي استطلاع للرأي على مدى شمولية العينة وقدرتها على تمثيل الواقع السكاني والاجتماعي للمجتمع المستهدف. وفي هذا الإطار، أظهر المسح الميداني الذي أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي أن توزيع العينة قد رُوعي فيه التوازن الجندري والجغرافي بشكل يضمن تمثيلًا موضوعيًا ودقيقًا لمختلف شرائح المجتمع في قطاع غزة.

فمن حيث التركيب الجندري، بلغت نسبة الذكور بين المستجيبين 56.3%  مقابل  43.7% من الإناث، وهو ما يعكس توازنًا نسبيًا في التمثيل بين الجنسين ويعطي صورة أقرب إلى الواقع الاجتماعي السائد في القطاع.

أما على صعيد التوزيع الجغرافي، فقد شملت العينة جميع المحافظات الخمس في قطاع غزة، وهي: محافظة شمال غزة (16.6%)، مدينة غزة (27.6%)، المحافظة الوسطى – دير البلح (18.3%)، محافظة خان يونس (19.3%)، ومحافظة رفح (15.9%)

ويؤكد هذا التوزيع أن العينة الميدانية تغطي الامتداد الجغرافي الكامل لقطاع غزة، الأمر الذي يمنح نتائج الاستطلاع مصداقية عالية في التعبير عن مواقف وتوجهات سكان القطاع بمختلف فئاتهم الاجتماعية والعمرية. كما يعكس هذا النهج في اختيار العينة حرص المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي على الالتزام بالمعايير العلمية الدقيقة التي تضمن تمثيلًا متوازنًا وشاملًا للواقع الديموغرافي في غزة.

وبلغ متوسط عمر المستجيبين نحو 35 عامًا، ضمن فئة عمرية تتراوح بين 18 و76 عامًا، وهو ما يعكس مشاركة متنوعة تجمع بين فئات الشباب والكهول، بما يمنح النتائج بعدًا شاملًا يعبر عن مختلف الشرائح الاجتماعية.

 

منهجية جمع البيانات

اعتمد الاستطلاع على الاتصال الهاتفي العشوائي، وأُجريت المقابلات عبر نظام (CATI) الإلكتروني لضمان الدقة والتنظيم. بلغ معدل الاستجابة 75٪، وهو معدل مرتفع نسبيًا في الدراسات الهاتفية، ما يعكس اهتمامًا ملحوظًا من السكان بالموضوع. وقد بلغ هامش الخطأ الإحصائي ±5.6% عند مستوى ثقة 95%، مما يمنح النتائج درجة عالية من الموثوقية والدقة الإحصائية.

 

الخلاصة

قال الدكتور نبيل كوكالي أن نتائج الاستطلاع تعكس صورة واضحة للرأي العام الفلسطيني بعد الحرب، تتميز بـنزعة واقعية متزايدة وابتعاد عن الخطابات الأيديولوجية، مع إدراك عميق لثمن الصراع الباهظ ورغبة حقيقية في إنهاء دوامة الحرب والتوجه نحو السلام والاستقرار.

وأضاف الدكتور كوكالي أن الحرب لم تعد تُرى كبطولة، بل كعبء إنساني واقتصادي يهدد مستقبل الأجيال.
وتبرز رغبة واضحة لدى الجمهور في إنهاء دوامة الصراع عبر تسوية عادلة تضمن الأمن وإعادة الإعمار، على أساس الشرعية الوطنية والدعم العربي والدولي، ورفض أي وصاية أو إدارة أجنبية مباشرة على غزة.

ويخلص الاستطلاع إلى أن الفلسطينيين باتوا أكثر ميلاً إلى الواقعية السياسية، وإلى تغليب منطق التسوية والاستقرار على منطق المواجهة.

 
calendar_month14/10/2025 18:18   visibility 64