
صبا.نت
غادرت طائرات الاستطلاع سماء جنين بعد 13 يومًا من استباحتها، لكنها تركت عشرات القصص في أزقة مخيم جنين، وحواري بلدات: كفر دان، ويعبد، وعرابة، وقرية بير الباشا. فما زالت بيوت عائلات أسرى نفق الحرية الست: زكريا الزبيدي، وأيهم كممجي، ومناضل انفيعات، ومحمود العارضة، ومحمد العارضة، ويعقوب القادري مسرحًا للأحزان، التي أعقبت نهاية انتزاع الأبناء لحريتهم من معتقل جلبوع لأيام معدودات.
وواكبت وزارة الإعلام في جنين جولة لنادي الأسير برئيسه ومديريه في محافظات الوطن، وأسرى وأسيرات محررون، وجمعية الأسرى والمحررين ببيت لحم، بينهم وزير الأسرى والمحررين السابق، وأمين عام المكتبة الوطنية الحالي عيسى قراقع، ومدير عام الحكم المحلي في طولكرم راغب أبو دياك، منحوا خلالها العائلات الست أوسمة فخر، أعقبت زيارات سعت إلى بث الروح المعنوية للعائلات، وأكدت "أن القيود لا بد أن تنكسر من جديد"، وفق تعبيرات رئيس نادي الأسير قدورة فارس.
القصة لم تنته
واستهل أبو دياك، وهو أسير سابق، قبيل انطلاق الجولة من مكتب إقليم" فتح" في جنين، بعد ساعات من إعادة اعتقال أخر أسيرين من "أبطال النفق" بالإشارة إلى أن "فصول القصة لم تنته بعد، فالستة هم طليعة استطاعت رد الروح لقضية الأسرى، وفتحت الباب لتدويل قضيتهم، وأثبت حضور وجعهم.
وقال فارس إن "الهزات الارتدادية" لنفق الحرية وصلت العالم كله، وردت الاعتبار لملف الأسرى، فيما صنع الفرسان الستة "بروفا صغيرة لمشهد حرية كبير"، خاصة بعد التأكيد على إعادة اعتقال لا تعني نهاية تفق الحرية، فهم أصبحوا الآن في رأس قائمة التبادل القادمة.
واستضاف جدار أبيض مقابل لمنزل عائلة الزبيدي في زقاق بمخيم جنين، لافتة ضخمة لمنتزعي حريتهم الستة، وفي داخل صالة كانت صور زكريا تستأثر في الركن الجنوبي، لـ"رجل المفاجآت" كما وصفه رئيس نادي الأسير، فيما سرد شقيقه يحيى إن أخاه الأربعيني ومنتزعي حريتهم الخمسة رفضوا أن يكونوا نسخة جديدة من "كريم يونس"، في إشارة إلى أقدم أسير في معتقلات الاحتلال محروم من الشمس منذ شتاء 1983.
واختلطت أحزان العائلة بأم زكريا الشهيدة وابنها طه اللذين ارتقيا خلال العدوان على مخيم جنين عام 2003، لكنها تستعيد اعتقال "التنين الأسمر" ومطاردته ونجاته من الاغتيال وإعادة اعتقاله.
يقول عمه جمال إن رسالة ابن أخيه لن تتوقف، وتنتظر العائلة أن يعود إلى أبنائه: محمد (16 عامًا)، وسميرة (13 عامًا)، وايهم (10 سنوات).
زيارة قبر الأم المؤجلة!
فيما تستقبل صور أيهم فؤاد كممجي طارقي بيت العائلة، القادمين للتضامن وللاطمئنان عن الابن المُعاد اعتقاله قبل ساعات، لكن الأقسى وفق والده ورسائله حرمانه من وداع أمه، التي توفيت في آذار 2019، وعجزه عن زيارة قبرها، رغم بعده عنها مسافة قصيرة خلال حريته.
وبحسب والده، اعتقل أيهم في تموز 2006 من رام الله، وحكم عليه بمدى الحياة، وعاد للحرية ملاحقًا 13 يومًا، فيما اتصل قبيل إعادة اعتقاله به، وأخبره بأنه سيسلم نفسه؛ حرصًا على العائلة التي فتحت له بيتها.
وقال قراقع إن الاحتلال حرص على عدم اختتام مشهد نفق الحرية بالدم، وحاول التغطية على فشله وعجزه، غير أن الأسرى الستة رسخوا الوحدة الوطنية، وافتتحوا "ورشة وطنية كبرى" أعادت قضيتهم إلى سلم الأولويات.
وفي يعبد، استظل وفد النادي ومتضامنون وصحافيون بدالية في ساحة منزل مناضل انفيعات، وقال رئيس البلدية سامر أبو بكر إن مناضل أعاد غرس روح الأمل لقضية 4800 أسير وأسيرة.
الأسمراني الطاهي!
درس الفتى الأسمراني مناضل للصف العاشر، والتحق لعون والده في الزراعة، وعمل في الداخل المحتل، لكنه اعتقل على فترات لأكثر من 9 سنوات، كما اعتقل أخوته نضال وأيوب وقيصر، ولم تجتمع العائلة بكامل أبنائها منذ 16 عامًا، فالغالبية خلف القضبان.
وسردت الأم: مناضل محبوب وخلوق ومبتسم دائمًا، وكان يساعدني حتى في إعداد الطعام، وحدثني هن أحلامه في شكل بيته الجديد، ورغبته في الاستقرار والزواج.
وزعت الأم في خلال عقدين قلبها على معتقلات: جلبوع، وشطة، ومجدو، والنقب، ونفحة، وريمون، لكمن أحزانها اليوم معلقة بمناضل والخشية على حياته من التعذيب المتوقع، بعد إعادة اعتقاله.
فيما يتزين بيت محمود العارضة بأزهار، وتحيط به أشجار باسقة، لكن صور الأبناء المحررين أو الأسرى الذين ينتظرون الخلاص هي الأبرز. وبعكس أوجاع الأم فتحية يوسف عارضة فهي متماسكة وتتأمل بلقاء وشيك مع محمود، مهندس عملية انتزاع الحرية، والمحكوم عليه بالسجن مدى الحياة، ولا تغفل عن أحمد، الذي يقتطع القيد 22 سنة من شبابه، فيما حكمت فضبان الأسر على الابن رداد بـ20 سنة، وشداد 7 سنوات، وهدى 6 سنوات.
أنهى التهاب عضال في البنكرياس حياة الأب عبد الله علي العارضة 1994، ولم يسمح لاثنين من الأبناء بوداعه الأخير، ففي أيلول من السنة نفسها اعتقل محمود، وهو الذي كتب في رسائله أنه اشتاق لحضن أمه، لكنه اعتقل قبل إنجاز شوقه، وعجز عن تقديم العسل لها.
قلب واحد و15 مُعتقلاً
وتوزع قلب الأم خلال 30 عامًا على معتقلات: بئر السبع، وعسقلان، والجلمة، وجنين المركزي، والفارعة، وجنيد المركزي، ونابلس القديم، والظاهرية، وعتليت، ومجدو، والدامون، وشطة، ونفحة، وأنصار ثلاثة" النقب"، ومعسكر سالم.
وروت الطفلة سينات قصة جواربها، التي طلبها عمها بعد أشهر من ولادتها، وقرر أن يرتديها لحظة انتزاعه الحرية، ولا تنسى اللعبة التي أرسلها له من السجن وهي في البستان.
وقال فارس وقراقع إن محمود ورفاقه قدموا "درسًا عملية" في انتزاع الحرية، وعدم انتظارها، وتسلحًا بالقلم ووسائل بدائية للوصول إلى الشمس، ووضعا نقطة بداية لأمل قادم.
ويتشابه حال أمل وقهر عائلة محمد العارضة، التي سخرت أمه من محاكمة جديدة لأسير محكوم بالإعدام، لكنها خلطت الأماني بالحقيقة، حين أكدت لأسرتها وللزائرين إطلاقها لصرخة شوق سمعها محمد، كما أخبرها المحامي، بالرغم من المسافات الشاسعة بينهما.
ويتكرر مشهد الأمل في بيت عائلة يعقوب قادري في بير الباشا، الذي عاد في أيام حريته القصيرة إلى قريته المنسي، فتردد الأسرة كيف أن الروح ردت من جديد لابنها، حين زار بلده المدمرة، وأكل البرتقال والتين والصبر، وقبّل طفلًا من إكسال، واشتم رائحة الوطن.
غير أن المختلف في قصة قادري، تراجع صحة والديه التسعيني والثمانينية، واعتذارهما عن استقبال المتضامنين، لكن قدورة وقراقع قالا للعائلة إن ما فعله يعقوب غيّر من حقيقة أن السادس من أيلول مختلف عما بعده، وأن الأسرى عادوا إلى واجهة الأحداث.
واختتم مدير نادي الأسير في جنين، منتصر سمور: صنع أبطال النفق الستة ما هو أقرب للمعجزة، بالرغم من النهايات المؤقتة لفعلهم الاستثنائي، لقد عشنا 13 يومًا مع العائلات بتفاصيل الفرح والانتظار والخوف.
20/09/2021 18:45 1,042

.jpg)













